تحتل الثقافة باعتبارها طرائق حـياة الشعوب وأنظمتـها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية مكانة هامـة في تعليم وتعلّم اللغات الأجنبية ، وتعتبر مكوناً أساسياً ومكمـلاً مهماً لمحـتوى المـواد التعليمية في هذا الميـدان ؛ لذلك لا بـدّ أن تندمـج العناصـر الثقافية للغة المستهدفـة اندماجاً كامـلاً في المـادة التعليمية وفي جميع أوجه التعلّم ووسائـله خاصّـة الكتاب.
ولقد أثبتت الدراسات أن معظم الدارسين يعلمون أن المعلومات والمعارف الثقافية هدف أساسي من أهداف أي مـادة تعليمية لتعلّم اللغة الأجنبـية ، كما يعلمون أيضاً أنـها عامـل مهم من عوامـل النجاح في تعلم اللغـة واستخدامها . كما وجـد أن الكثير من هـؤلاء الدارسين يتوقّعون عندما يبدءون تعلّم اللغة أن يحصلوا على قدر معيّن من القدرة على توظيف الثقافـة كمحـتوى للغة بنفس القـدر الذي يحصلون عليه من اللغة كوعاء للثقافة ، كما يتوقعون أيضاً أنّهم سـوف يدرسـون أهل اللغة تماماً مثلما يدرسـون اللغة ، ولذلك قيل إن نجاح الشخص في التفاهم والاتصال والاندمـاج والتعامل مع أفراد الشعب ، وعلى الحصيلة الثقافية التي تعلمها على حـدّ سـواء .
إنّ اللغة هي وعاء الثقافة , وليس من اليسير تعلم لغة ما دون التعرض لثقافة أصحابـها؛ قيمهم واتجاهاتهم وأنماط معيشتهم وعقائدهم. والثقافة العربية بعد نزول القرآن الكريم بلغة العرب صارت إسلامية, وأصبحت اللغة العربية لغة تعبدية يفرضها الدين الإسلامي أينما حل، ويحملـها معه حيثما انتشر، والعربية هي لغة الثقافة الإسلامية بلا منازع، إنّ بين الشعوب الإسلامية وحدة وروابط قوية ما دام في العربية قرآن لا يختلف في نطق حرف واحد منه اثنان. وإنّ كتاب تعليم اللغة لا بدّ له أن يحقّق أكبر قدر من حاجات الدارسين الذين يستخدمون هذه الكتب على اكتساب المهارات اللغوية المنشودة، وعلى معرفة الجوانب اللغوية التي يريدون الإلمام بـها، وعلى فهم الثقافة التي يتعلمون لغتـها.
وإذا كانت اللغة من أقوى روابط المجتمع الواحد، فهي من أكثر الوسائل قدرة على نقل ثقافتهم إلى العالم كلّه؛ وهنا تبرز القيمة الكبيرة لما تبذله الشعوب في سبيل تعليم لغاتـها لأبناء الشعوب الأخرى، وهنا أيضا تكمن الدوافع الحقيقية وراء استنـهاض الهمم والبذل والجهود نحو تأليف كتب لتعليم العربية في السنوات الأخيرة، إنّ الأمر ليس مجرد حرص على تدريب الآخرين على نطق أصوات العربية , أو حفظ كلماتـها أو تعرف تراكيبـها ؛ إنّه أبعد من ذلك وأعمق. إنّ كتابا يؤلف لتعليم العربية لن يكون مجرد وسيلة لتنمية مهاراتـها أو إتقان استعمالـها، وإنما هو ناقل لتاريخ أمة عريقة التراث , ومعبر عن حضارة شعب متميز الملامح ، ترتبط لغته بأعز ما لديه , وأغلى ما عنده إنـها لسان عقيدته ولغة كتابه المبين .
وهناك مجموعـة من الأسس تجعـل من الثقافة جـزءاً أساسياً من تعلّم اللغة الأجنبية منـها :
1- أنّ القدرة على التفاعل مع الناطقين باللغة لا تعتمد فقط على إتقـان مهارات اللغة ، بل تعتمد أيضاً على فهم ثقافـة أهل اللغة وعاداتـها وآمالـها وتطلعاتـها . إنّ فهم اللغة الأجنبية فقط لا يعين على فهم حـياة متحدثيها وواقعهم ؛ لـذا فالاهتمام بالثقافة في برنامج تعليم اللغـة يؤدّي إلى فائـدة عظيمة ونتيجة فعّالة في عملية الاتصـال باللغة قـد يفوق ما يقدمـه تعلم مهاراتـها فقط، وهذا يؤدّي إلى حقيقة بارزة وهي أنّ الاتصال الثقافي بين متحدثي لغتين يساعد على تنمية مهارات اللغة وإتقانـها .
2- أنّ فهم ثقافة اللغة الأجنبية والتفاعـل معها أمر مهم في حدّ ذاته ، فالتفاهم العالمي أصـبح الآن من الأهداف الأساسية للتعليم في أي بلد من بلـدان العالم. كما أنّ فهم التشابه والاختلاف بين الثقافات أصـبح أمراً ضرورياً لإحداث تقارب وتعاون بين الشعوب كأساس لتقدم الحياة واستقرارها في هذا العالم، ولأنّ السـلام العالمي يعتمد بشكل كبير على الفهم والتعاون العالميين. ومن هنا أصبح الاهتمام بتزويد المـادة التعليمية بمـلامح الثقافة الأساسية أمراً ضرورياً ، ثم بأوجه التشابه والاختلاف الأساسية بين هذه الثقافـة وبين ثقافات المتعلمين .
3- أنّ الدارسين أنفسهم عـادة ما يكونون مشغوفين بالناس الذين يتكلمون اللغـة التي يتعلمونـها، ويودون معرفـة أشـياء كثيرة عنهم : من هم ؟ ما طبيعة حياتهم ؟ كيف يعيشون؟ ... الخ . هذا في الوقت الذي قد لا يعـرف فيه هـؤلاء الدارسون إلا القليل جـداً عن العناصر الأساسية في ثقافتهم هم، وأيضاً القليل جداً والسطحي بل الخاطئ أحيانا عن ثقافة الأقطار الأخرى.
4- أنّ العادات الثقافية تشبه إلى حد كبير المهارات اللغوية ، فالمتحدث باللغة يتصـرّف بشكل معين وبطريقة تلقائية ، كما أنه يتحدث اللغة بنفس الطريقـة، ومن ثم ينبغي أن تعامل عادات الثقافـة كما تعامـل مهارات اللغة في المواد التعليمية.
5- أنّ الكثير من الكتابات والدراسات في ميدان تعليم اللغات الأجنبية تكاد تجمع على أن الثقافة هي الهدف النـهائي من أي مقرر لتعلم لغـة أجنبية .
6- أنّ علماء علم الأجناس ودراسـة الإنسـان يقـررون أن سلوك الفـرد في أي ثقافة يكمن في حدود النظام العام لأنماط التعلّم . وفي هذا السياق يصبح من الممكن مقارنة دراسـة الثقافة بدراسـة اللغة .
7- أنّ الثقافة ميدان واسع ومعقد بالشكل الذي لا يتوقـع معه أن يستوعب الدارسون كلّ عادات الثقافة لمتحدثي اللغة ، ولكنهم في ذات الوقـت قد يألفون تلك العناصر المهمّـة لفهم الناس والشعـوب وطرائق حياتهم ، كما أنّ مدى الألفة الذي يودّ أن يصل إليه الدارسون بالثقافة الثانية يعتمد اعتمادا كبيرا على هؤلاء الدارسين أنفسهم . فالبعض يكفيه مجرد المعرفة ، والبعض الآخر يرغب في دراسـة اللغة في وطنـها ومن ثم يتطلعون إلى الوصـول إلى مستوى من القـدرة اللغـوية والثقافية يمكنهم من الاشتراك والاندماج مع متحدثي اللغـة بشكل لا يقـل كثيراً عن مستوى أهل اللغة ومتحدثيها ، والبعض يتطـلع إلى التزوّد برؤية ثقافية واضحـة تمكّنه من تحصيل المعلومات والمعـارف الثقافية التي تسـاعده على التعامـل مع هذه الثقافـة . وهذا يعني أن ما يقدم من الثقافـة ينبغي أن ينتقى ويختار في ضـوء حاجات الدارسين واهتماماتهم وأهدافهم من تعلّم اللغة والثقافة.
8- أنّ لمجتمعات الدارسين الأصلية تأثيراً على اتجاهاتهم نحو الثقافات الأخـرى فهناك المجتمعات المفتوحـة ، والمجتمعات المغلقـة ومجتمعات بين بين وهناك الأفكار الصحيحة عن الثقافات الأخرى والأفكار الخاطئة ، وهناك أيضاً معرفة بالثقافات الأخرى وجهل بـها ، كما أننا ندرك مدى الدعايات المغرضة وتأثيرها خاصـة فيما يتصل بالثقافـة العربية والإسلامية وموقفها منـها ، كما نعلم أن كثيرين قد كوّنوا اتجاهاتهم نحو هذه الثقافـة من خـلال الصحف والمجـلات والإذاعات غير الموضوعية وغير المنصفـة ، ومن هنا أصـبح تقديم الثقافـة العربية والإسلامية في أصـولـها وأصالتـها وعمقها ونقائها أمـراً لا مفرّ منه في أي مادة تعليمية تقـدّم لمتعلمي العربية من غير الناطقين بـها كميدان لتصحيح المفاهيم الخاطئة نحو ثقافتنا ولتعديل الاتجاهات السلبية نحوها .
9- أنّ لأصحـاب الثقافـة اتجاهات معينة نحو ثقافتهم ، فهناك من يتعصب للثقافـة ، ومنهم من يدفع كل الناس إلى حب ثقافته ، ومنهم من يحطّ من ثقافات الآخرين لإعلاء قدر ثقافته ، ومنهم من يظهر تحمساً زائداً لثقافته ... الخ والحقيقة تقتضي عدم التعصب للثقافـة ، والبعد عن الانتقاص من ثقافات الآخرين ، والعمل على جذب الآخرين إلى الثقافة بوعي وتعقل وحكمـة ، بحيث نقدم أسسها وخصائصها وعناصرها وأصالتـها ، وفي ذات الوقت مقارنتـها بالثقافات الأخرى فحسب لإدراك التشابه والاختلاف دون إصدار أحكام . وهذه المعاني كلـها لا تعني عدم التحمس للثقافـة وإغناء خبراته بـها.
10- أنّ للدارسين أغراضاً من تعلّم اللغـة والثقافـة ، ولكن لأصحـاب اللغـة أيضاً أغراض من تعليم ثقافتهم ونشرها، لـذا فالحرص في المـادة على تحقيق الجانبين أمر مهمّ .
11- أنّ للدارسين أغراضاً متعددة من دراسـة اللغة والثقافـة ، فهناك الغرض الديني والغرض السياسي والتجاري والوظيفي والعلمي ... الخ وهذا يتطلب أن تتعدّد أوجه الثقافـة في المـادة التعليمية بتعدّد هذه الأغـراض .
12- إذا كان للغـة مستويات ، فإنّ للثقافـة أيضاً مستويات فلـها مسـتوى حسي ومستوى تجريدي معنوي ، ولـها مستويات تبدأ بالفـرد وتتسع للأسـرة ثم تتسع للمؤسسات والجماعات ... الخ . ومن هنا ينبغي، وفي المرحلة الأساسية من تعليم اللغـة، التدرج بمستويات الثقافـة من الحسي إلى المعنوي ومن الفرد إلى الأسـرة إلى المجتمـع الأوسع .
13- أنّ للثقافـة أبعـاداً ماضية ومستقبله ، ومن ثم لا ينبغي أن تقتصـر المـادة التعليمية على تقديم بعـد واحد منـها ، وإنما يجب تقديم حاضر الثقافـة ثم ماضيها ثم آمالـها وتطلعاتـها وسعيها نحو تحقيق مسـتقبل أفضل .
14- أنّ للثقافـة عموميات وخصوصيات ، ومن ثم لا ينبغي أن نغرق الدارس في نـوع من الثقافـة ، وإنمـا يجب تقديم صـور من عموميات الثقافة وخصوصياتـها من علماء ومفكـرين ومبتكرين .
15- أنّ هناك تأثراً وتأثيراً متبادلين بين الوعـاء اللغوي والمحتوى الثقافي، وكل منهما يشكّل مستوى الآخر ، ومن ثّم ينبغي أن يضبط المحتوى الثقافي بالإطار والمستوى اللغوي الأساسي، بحيث لا يؤدّي الارتفاع بالمسـتوى الثقافي إلى الارتفاع بالمستوى اللغوي .
وفي إطار هذه المنطلقات يمكن أن نضع مجموعة من الشـروط والمبادئ الأساسية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بـها :
1- أن تعبر المـادة عن محتوى الثقافـة العربية والإسلامـية .
2- أن تعطي صورة صادقة وسليمة عن الحياة في الأقطـار العربية .
3- أن تعكـس المـادة الاهتمامات الثقافية والفكرية للدارسين على اختلافهم .
4- أن تتنوع المـادة بحيث تغطـي ميادين ومجالات ثقافية وفكرية متعددة في إطار من الثقافة العربية والإسـلامية .
5- أن تتنوع المـادة بحيث تقابل قطاعات عريضـة من الدارسين من مختلف اللغات والثقافات والأغراض .
6- أن تتسق المـادة ليس مع أغراض الدارسين فحسب، ولكن أيضاً مع أهداف العرب من تعليم لغتهم ونشـرها.
7- ألا تغفل المـادة جوانب الحياة العامـة والمشترك بين الثقافات .
8- أن يعكس المحتوى حياة الإنسـان العربي المتحضـر في إطار العصر الذي يعيش فيه .
9- أن يثير المحتوى الثقافي للمـادّة المتعلّم إلى تعلّم اللغـة والاستمرار في هذا التعلم .
10- أن ينظم المحتوى الثقافـي :
- إما من القريب إلى البعيد .
- أو من الحاضر إلى المستقبل .
- أو من الأنا إلى الآخر .
- أو من الأسرة إلى المجتمع الأوسع .
11- أن تقدّم المــادة المستوى الحسي من الثقافة ثم تتدرج نحو المستوى المعنوي .
12- أن توسع المـادة خبرات المتعلم بأصحاب اللغـة .
13- أن ترتبط المـادة الثقافية بخـبرات الدارسين السابقة في ثقافاتهم .
14- أن يقـدّم المحتوى الثقافي بالمستوى الذي يناسب عمر الدارسين ومستواهم التعليمي.
15- أن تتضمّن المـادة وبشكل خاص إلى القيم الأصيلة المقبولة في الثقافـة العربية والإسـلامية .
16- أن تقدم تقويماً وتصحيحاً لما في عقول الكثيرين من أفكار خاطـئة عن الثقافـة العربية والإسلامية .
17- أن تتجنب إصدار أحكام متعصبة للثقافـة العربية .
18- أن تتجنّب إصدار أحكام ضد الثقافات الأخرى . [1]
إنّ ثقافة اللغة العربية التي ينبغي أن تحويها اللغة هي الثقافة الإسلامية, ففي دراسة أعدّها الدكتور محمد عمايرة – رحمه الله- , في استبانات عن الأسباب الأساسية لتعلم العربية, فكانت النسبة في كل مرة تقع على رقم بين 86% و 98% أن السبب كان لتعلم الإسلام والاستزادة من معرفة الحضارة الإسلامية, في حين كانت النسبة الثانية ترتيباً للإجابة بالرغبة في معرفة حضارة العرب, والاستزادة من ثقافتهم , للمساعدة في طلب وظيفة , أو طلباً لمكانة اجتماعية , بمعرفة لغة عريقة ..أو غير ذلك .
وهذا الأخير هو ما عليه أغلب دارسي العربية من المسلمين .
وإذا عدنا إلى واضعي البرامج العربية وأهدافهم نجد هذا التقسيم أيضاً:
ومعدو البرامج العربية لغير الناطقين بها، في حرصهم على تعليم الدين مع العربية، يرون أنّ ذلك تفرضه الحاجة, ويحتّمه الواقع, الذي يرون فيه سبباً من أسباب انتشار البدع.
- لصفة ذاتية فيها .
- لأنّها لغة الدين .
- لأنّها لغة الغالب .
بين الإسلام والأديان الأخرى :
إن النظرة الفاحصة لطبيعة الدين الإسلامي, مقارناً ببقية الأديان الأخرى, تكشف لنا فروقاً عظيمة؛ فالدين الإسلامي منهج حياة متكامل, يشمل كل نواحي الحياة؛ ومن ثمَّ فإن من يريد تعلم اللغة العربية لأهداف عامة, يجد نفسه لا يبعد كثيرا عن ذلك الشخص الذي تعلّمها لأهداف دينية؛ ولذا نقول إن تعلم اللغة لأغراض دينية قد لا ينطبق تماما بكامل تعريفه مع هذا المنهج, ذلك إن أمور الدين الإسلامي لا تنحصر في مجال محدد من المفردات أو التركيب؛ ولهذا فمتعلّم اللغة العربية إذا كان هدفه معرفة الدين الإسلامي سيجد نفسه متعلّما لها لأغراض عامّة.
وهذا لا يعني أن المادة العلمية المقدمة لدارس هدفه الدين، هي نفسها المادة العلمية المقدمة لدارس ليس هدفه الدين, وما نراه من الفرق هو أن تعلّم اللغة لأغراض خاصة لا تتضح تماماً لمتعلم العربية ممن هدفه الدين.
وقد يكون الفارق بين الهدفين ، مما نراه في الساحة، أنّ المفردات والتراكيب المراد تعليمها توضح بقوالب لتناسب الجميع, وعلى هذا, فإنّ ما نراه موجوداً في كتب تعليم العربية لغير الناطقين بها إذا صدر من جهات إسلامية, أضافوا إلى تعليم اللغة تعليم الدين, إما بطريق مباشر, وإما بطريق غير مباشر.
ولنا شاهد من التاريخ، حيث انتشرت اللغة العربية مع انتشار الإسلام في الفتوحات؛ وأصبحت لساناً عاماً وليست لسان العلماء في المساجد والمدارس الدينية.
لمحة تاريخية :
قبل الإسلام, خضعت أقطار الوطن الإسلامي نحو ألف عام للحكم الأجنبي, باستثناء جزيرة العرب التي اعتصمت ببواديها الجرد, لا مطمع فيها لغريب. وتعاقب على شعوبنا الرومان والفرس واليونان, في أدوار تاريخية واحدة أو متقاربة, ففرضوا عليها لغاتهم وعقائدهم وقومياتهم وأعرافهم, ثم مضوا جميعاً, لم يتركوا هنا قومية فارسية أو رومانية أو يونانية. وكل ما خلفوه على المدى الطويل من أثر مادي أو معنوي, ذاب في عناصر الشخصية الأصلية لإنسان المنطقة, ولم تذب تلك الشخصية قط في أجنبي أو دخيل. [2]
وعلى ذلك الزمن الطويل, بقيت لغات الغزاة وثقافاتهم وعقائدهم المفروضة بالإكراه, لغة دواوين وثقافة دخيل وعقائد مستعمر, يرتهن بقاؤها بما يحميها من سلطة الحكام وجبروتهم, وتواجهها الشعوب بالتحدي الذي يتمثل في الإصرار على التعامل بلسانها القومي خارج الحدود الرسمية, وبالرفض الذي يتمثل في تمسكها بعقائدها وتقاليدها وأعرافها, ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.[3]
لقد غزت المنطقة لغات أخرى قبل الإسلام, مؤيدة بالسلطان السياسي, لكن الشعوب المغلوبة رفضتها متشبثة بقديمها محافظة على تراثها. فانحصرت لغات الغزاة الغالبين في الدواوين والرسميات. لم تتجاوزها من قريب أو بعيد إلى اللغة القومية. [4]
ثم جاء الإسلام, فكان التحول الذي لا يعرف التاريخ له مثيلا، حينما خرج العرب المسلمون من جزيرتهم فاتحين, فما مضى ربع قرن على بدء التاريخ الهجري, حتى كانت بلاد الشام ومصر والعراق قد انتهى تاريخها الروماني واليوناني والفارسي, وبدأ تاريخها الإسلامي العربي فكان لقاؤه بقديمها الأصيل الذي صمد نحو ألف عام (331ق م: 640م) للغزو الأجنبي, وأرق الغزاة بثورات يعرفها تاريخنا القديم, ويعطي رصيدها الضخم من الضحايا والثارات والأحقاد. [5]
ويكاد المؤرخون يجمعون على أن ما تركه الاحتلال الروماني الذي احتل البلاد نحو ستة قرون, لم يصمد أمام للفتح الإسلامي. وأن اللاتينية التي بدا أنها سادت الشمال الإفريقي زماناً, صُفِّيت في القرن الهجري الأول.[6]
ومن عجب أنّ الشعوب ما كادت تستجيب للإسلام, حتى نبذت كل ماضيها الأجنبي المفروض, وحملت لواء دينها الجديد داعية إليه مناضلة عنه, مشاركة في حركة المد الكبير للفتوح الإسلامية التي بلغت أقصى المغرب. [7]
فلم يكن التحول انتقالاً من حكم الرومان والفرس واليونان إلى حكم العرب, وإنما كان استجابة باهرة لعقيدة اقتنعوا بها. وقد وجدت الضمائر التي ظلت بمعزل عن تيارات الغزو, ما تستريح إليه في دين الفطرة المصدق لما بين يديه من الرسالات الدينية. وكان المبدأ الإسلامي في إقرار حرية العقيدة وحظر الإكراه في الدين, هو الذي أطلقهم من موقف التحدي والرفض, إذ ترك لهم فرصة الاختيار وحق التفكير دون قصر أو إرغام, وهيأ لهم الفتح لدين يحترم حرية العبادة ويكفل للإنسان حقوق إنسانيته. ولولا أن اللغة العربية في ذاتها كانت صالحة للبقاء, لانحصرت في النطاق الديني للشعوب المسلمة؛ أو في المجال الرسمي خضوعاً للسلطة السياسية.[8]
وإذا كان العامل الديني هو الذي يعطي التفسير التاريخي لانتشار العربية، فإن هذا لا يعني أنها لم تكن في ذاتها صالحة للبقاء, وإلا فقد كان من المتصور أن تبقى لغة دينية, وتترك للغات الأصلية لشعوب المنطقة مجال الحياة العامة, على نحو ما حدث للغة القبطية التي ظلت لغة الكنيسة المصرية لمن اختاروا البقاء على نصرانيتهم من أهل مصر, دون أن تتجاوز هذا النطاق الديني المحدود إلى المجال العام. وليس من الصحيح إطلاقاً, أن اللغة العربية اعتمدت في انتشارها على السلطة الحاكمة, كما تصور بعض الدارسين فيما سموه "سلطان اللغة الغازية" ويعنون به القوة المستمدة من السلطان السياسي, "فكلما كان للغازي سلطانه الذي لا يرد, كان للغته هي الأخرى سلطان لا يرد. والشعوب المغلوبة تسعى دائماً إلى التقرب من الشعوب الغالبة تجاملها في كل شيء وتحاكيها في كل شيء, وليست ثمة وسيلة للتقرب خير من اللغة. من أجل ذلك كانت الشعوب المغلوبة أسرع إلى التحلل من لغتها والدخول في لغة الغالب".
كتب "ألفارو" مطران "قرطبة" عام أربعة وخمسين وثمانمئة للميلاد إلى أحد أصدقائه يقول: "من الذي يعكف اليوم بين أتباعنا من المؤمنين على دراسة الكتب المقدسة؟, أو يرجع إلى كتاب أي عالم من علمائها, ممن كتبوا في اللغة اللاتينية؟ من منهم يدرس الإنجيل أو الأنبياء أو الرسل؟ إننا لا نرى غير شبان مسيحيين هاموا حباً باللغة العربية, يبحثون عن كتبها ويقتنونها, ويدرسونها في شغف, ويعلّقون عليها, ويتحدثون بها في طلاقه, ويكتبون بها في جمال وبلاغة, ويقولون فيها الشعر في رقة وأناقة, يا للحزن! مسيحيون يجهلون كتابهم وقانونهم ولاتينيتهم, وينسون لغتهم نفسها, ولا يكاد الواحد منهم يستطيع أن يكتب رسالة معقولة لأخيه مسلّماً عليه, وتستطيع أن تجد جمعاً لا يحصى يظهر تفوقه وقدرته وتمكنه من اللغة العربية.
وفي عصر الاستعمار الحديث, نرى الدول الغازية كان لها سلطان مسيطر على أقطار الوطن العربي, وقد حاولت جهدها أن تفرض عليها" سلطان اللغات الغازية" فلم تبادر شعوبنا المغلوبة إلى التقرب من الغزاة الغالبين ومجاملتهم ومحاكاتهم في كل شيء, ولم تسعَ قط إلى التحلل من لغتها العربية. بل ناضلت عن وجودها الوطني ضد المسخ والسلخ, وعن لسانها القومي ضد الغزو, فانحصرت اللغات الغازية في الدواوين ودور التعليم الخاضعة للغالب. وبقيت شعوبنا بمعزل عنها ترفضها في عناد وإصرار. [9]
ومما يزيد اللغة العربية شرفا،ً أن الشعوب غير العربية لم تجبر على تعلم العربية لأنها لغة فاتحين، كما هو الشأن مع اللغات الأخرى, بل لأنها لغة القرآن الكريم الذي أنزل لكل المسلمين دون استثناء. وعندما ضعفت الخلافة العباسية وتسلط السلاطين من العجم والترك وغيرهم ظلت العربية هي السائدة في الدواوين والمراسلات والدروس الدينية والعلمية حتى إنها ظلت لغة التخاطب السياسي بين هؤلاء السلاطين وغيرهم من ملوك الأقطار غير الإسلامية المحيطين بالوطن العربي كالبيزنطيين.
والسر في ذلك أنّ القرآن الكريم والدين الإسلامي بعامّة لعبا الدور الأهم في حفظ العربية من الضياع أو التشويه, على الرغم من ضياع الدولة الواحدة.
ليس من شك في أن الإسلام كان له الدور الأول والرائد في انتشار اللغة العربية في الأقطار الآسيوية والإفريقية غير العربية. ونعتقد أن الإسلام هو العامل الوحيد الذي دفع بأبناء الشعوب غير العربية لتعلم اللغة العربية.
والمسلمون تعاونوا جميعا – من الجنس العربي أو من العجم الذين لسانهم عربي – على التقعيد للغة العربية ؛ لحفظ القرآن.
لقد أراد الإسلام من الشعوب التي اعتنقته أن تصبح جزءاً من الأمة الإسلامية وليس من الأمة العربية , كما أراد العرب أن يبنوا دولة الإسلام لا أن يبنوا دولتهم القومية العربية المشابهة للرومانية أو اليونانية أو الساسانية.
ولعل هذا الأسلوب، الذي اعتمده الفاتحون العرب، حبب الناس أكثر فأكثر في الدخول في الإسلام طوعاً ومحبة. وهذا ما لم يكن معروفاً من قبل لدى كل الفاتحين القدامى, وحين ننظر إلى المستند الذي اعتمده العرب المسلمون عندما استقروا واستقرت البلاد التي فتحوها ونشروا الإسلام فيها، نرى أنه مستند قرآني أولاً ومستند نبوي ثانياً؛ فاختلاف اللغات والألسنة والألوان والقوميات حكمة من حكم الله عز وجل وسر من أسرار خلقه.
وكان من البداهة أن تحتكّ اللغة العربية - بعد الفتح الإسلامي - بلغات الدول المفتوحة, ولكنك تجد أن اللغات المحلية قد تقهقرت ولم تصمد أمام الهداية التي تحملها اللغة العربية, وأمام نور الله الذي لا سبيل إلى استشرافه إلا بلغة القرآن. حدث هذا مع الأرامية في بلاد الشام والعراق, ومع الرومانية في مصر, ومع البربرية في شمالي إفريقيا, ومع الفارسية في بلاد فارس.
لقد أصبح كل مسلم أينما كان بلده يقرأ القرآن في حله وترحاله, وقراءة القرآن يعني تعلّم العربية. وهذا ما سهل التخاطب بين المسلمين كافة على اختلاف قومياتهم. ونبغ منهم علماء في اللغة والأدب والنحو والصرف والبلاغة.
وحين نطالع صفحات التاريخ فإنها تخبرنا عن علماء أجلاء وفلاسفة عظام قدموا للحضارة الإسلامية أرقى أنواع العلوم في الطب والكيمياء والأحياء وعلم النفس والفلك والجغرافيا والرياضيات. وهؤلاء العظماء ينتمون إلى قوميات متعددة جمعهم الإسلام تحت ظله فكتبوا بالعربية جل إبداعاتهم وعلومهم. فصرنا نقرأ طب ابن سينا وابن النفيس وفلسفة الفارابي والغزالي وغيرهم بالعربية بوصفها لغة العلوم ولغة الآداب, وكانت هي الأقدر على نشر تلك العلوم في الدولة الإسلامية المترامية الأطراف.
ولولا القرآن الكريم لما كان لهذه اللغة هذا الإشعاع الحضاري في المعمورة قديماً وحديثاً ومستقبلاً.
وقد بلغ حب علماء الإسلام للعربية مبلغا كبيراً. فهذا الثعالبي يقول في مطلع كتابه فقه اللغة: (أما بعد فإن من أحب الله أحب رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم, ومن أحب النبي العربي أحب العرب. ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي نزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب, ومن أحب العربية عني بها, وثابر عليها, وصرف همته إليها) ويقول: (والعربية خير اللغات والألسنة. والإقبال على تفهمها من الديانة إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين).
المتعلم ورغباته :
وبعد هذه الإطلالة على التاريخ نعود إلى تعليم العربية الذي أخذ في هذا العصر يتّجه نحو التعليم النظامي المقنّن الذي انبرت له مؤسساته , وأصبحت هذه المؤسسات ترى أنّ الاهتمام بولـوع التلامـيذ ورغباتهم في الكتاب المدرسـي هو غاية ووسيلة في آن واحـد؛ فهو غاية لأنّنا نعـنى بتطـوير قـدرات التلامـيذ وقابليتهم. وهو وسـيلة لأننا نحصـل عن طريقه على انتباه التلامـيذ واهتمامهم ، ولا يمكن لهم أن يتعلّمـوا المـادة اللغوية في الكتاب المدرسـي ما لم يوجّهوا انتباههم ويبدوا اهتماماً بـها . [10]
وفي دراسة قام بـها الدكتور محمود كامل الناقة في جامعة أم القرى بمكة حول دوافع الدارسين للغة العربية من غير أهلـها في البرنامجين الصباحي والمسائي، ظهرت النتائج كما يلي :
أ- دوافع قوية جداً : وهي الرغـبة في دراسـة الدين الإسـلامي ونشـر الدعـوة الإسلامية، وقـراءة الثقافـة الإسـلامية والإخـلاص في الدين ، وتدريس العربية ونشـرها .
ب-دوافـع قوية : وهي الرغبة في الوعـظ والإرشــاد ، ودراسـة الشعوب العربية وثقافتـها وزيـادة المعرفـة حول بلادها ، وأيضاً الاهتمام بتعليمها وحـبّ تعلم اللغات الأجنبية .
ج- دوافـع متوسطة القوة : وهي التأثر بمعلم اللغة العربية وما كتب عنـها واهتمام الأسـرة بتعلّمها والتحدّث بـها ، والرغـبة في مصادقـة العـرب والتعرف على صـفات الإنسان العربي ، والاتجـاه إلى جعلـها لغة ثانية في الأوطـان الأم .
د- دوافـع ضعيفة : وهي الرغـبة في الإقامـة بالبلاد العربية ، ولأنّ الأسـرة تعمـل بـها ، ولأنّ الدارس ولد بـها .
ويلاحظ من هذا أن درجـات القـوة في الدوافع التكاملية تشترك مع درجات القـوة في كل من الدوافـع الدينية والتعليمية بمعنى أن هناك علاقــة ارتباط دالة بين الدوافـع التكاملية وكل من الدوافع الدينية والتعليمية والثقافية.
أثبتت النتائج أن 16% من الدوافـع الوسيلية قوية جـداً ، 25% قوية، 36.3% متوسطـة القوة، 22.7% دوافـع ضعيفة . وفيما يلي تصنيفها في ضـوء درجـة الشـدة :
1- دوافـع قوية جـداً : وهي الرغـبة في القـرآن الكريم وحفظه وتفسـيره ، ودراسـة الحديث النبـويّ وسيرة الرسول والتاريخ الإسلامي ، وقـراءة الكتاب العـربي ، والرغبة في دراستـها لكونـها لغـة عظيمـة وجميلة .
2- دوافـع قوية : وهي الرغبة في زيادة المعرفـة باللغة العربية ، وقـراءة الصحـف ومواصـلة الدراسـة والتخصّص والالتحاق بالجامعـة والتحدث بـها مع الأصدقاء والاستماع إلى الإذاعـة العربية ، ولعلم اللغات الأجنبية والاستجابة لنصـائح المعلمين ورجـال الدين . [11]
وظهر في هذه الدراسة أيضا النتائج التالية :
1- أن الدوافـع المهنية والشخصية عند الدارسين بالبرنامج المسـائي أعلى منـها عـند الدارسين بالبرنامـج الصباحي وهذا يعني عند إعـداد برامج تعليم اللغـة العربية لطـلاب الدراسات المسائية التركيز على المـواد والأنشطـة التعليمية المستمـدة من الدوافـع المهنية والشخصية، وأيضـاً المهارات التي تمكن الدارسين من تحقيق أغراضهم في هذين الجانبين .
2- أن الدوافـع الدينية عند الدارسين بالبرنامـج الصباحي أعلى منـها عـند الدارسين بالبرنامج المسائي ، وهذا يعني عـند برامج تعليم اللغـة العربية لطـلاب الدراسات الصباحية التركيز على المـواد الدينية الإسـلامية المستمـدة من الدوافـع الدينية والمحققة لأغـراض الدارسين في هذا الجانب، والمهارات اللازمـة لذلك .
3- أن الدوافـع التعليمية تكـاد تتساوى عـند الدارسين بالبرنامجـين وهذا يعني التركيز في كـلا البرنامجـين بقـدر متساوٍ في المـواد التعليمية والمهارات اللغوية بما يتناسب والدوافع التعليمية عند مجمـوع الدارسين في البرنامجين . والتركيز على هذه الجوانب في كـلا البرنامجين لا يعني إهمـال الجوانب الأخـرى فهي مشـتركة بقـدر ما يتناسب وقوتـها عند الدارسين في كل برنامج . [12]
وهذه الفروق بين دوافع الدارسين في البرنامجين الصباحي والمسائي تكاد تكون متقاربة في المعاهد المماثلة لمعهد جامعة أم القرى التي رأينا نتائجها أعلاه. فمعهد اللغة العربية بجامعة الملك سعود – على سبيل المثال – تظهر فيه هذه الفروق في البرنامجين ؛ وتفسير هذه الفروق واضح؛ فطلاب البرنامج الصباحي مسلمون في الغالب ، وجاءوا من جمعيات إسلامية تهتم بالدين ، وترغب في اللغة العربية لهدف ديني، بخلاف طلاب البرنامج المسائي الذين يغلب عليهم الدافع الاتصالي للغة ، ورغبوا في العربية لأهداف ليس على رأسها الهدف الديني، وبعضهم – في غير جامعة أمّ القرى – من غير المسلمين من العاملين في المجال الطبي والسلك الدبلوماسي وغيرهما .
إنّ معظم الاتجاهات المفضـلة نحو تعلم اللغة الأجنبيـة غالباً ما تكـون نتيجة للرغبة في إتمام عملية اتصـال عن طـريق هذه اللغـة ، وفي معرفـة أهلـها وثقافتـها، لذلك فالمواد التي تعطي للدارسين شيئاً عن اللغة وأهلـها وثقافتـها وحضارتـها ، والتي تشـبع حـبّ استطـلاعهم وتدور حول ميولهم من دراسـة اللغة وتتصل باهتماماتهم وأغراضهم ودوافعهم لتعلمها تعتبر مواد ذات معنى ودلالة بالنسـبة لهم .
إن الإثارة والدافعية تحدث عندما تستخدم مـواد تجعل النجـاح في التعلّم أمراً ممكناً في المراحـل الأولى من تعلّم اللغـة ، وتساعد الدارس على الشعـور بقدرته على تعلم اللغـة والسيطـرة على مهاراتـها . أما فقـدان الإثارة والدافعية فيحدث عندما تستخدم مواد غير مناسبة، قد تكـون سهلة جـداً أو صعـبة جداً ، أو فقـيرة في المضمـون ، أو محتواها غير مناسـب لعمـر الدارس وخبراته ومستواه الثقافي . [13]
الثقافة في اللغة:
وبناء على ذلك , فإنّ ثقافة معلّم اللغة العربية للناطقين بغيرها يجب أن تبنى على ما به يتحقق تعميق المفهوم اللغوي، وتنمية المهارات اللغوية لدى الدارسين , من أجل تعميق المفهوم الديني لديهم على أسس سليمة . [14]
ومن الممكن تلخيص الأهداف الرئيسية لتعليم العربية فيما يلي
1 – أن يمارس الطالب اللغة العربية بالطريقة التي يمارسها بـها متحدثو هذه اللغة أو بصورة تقرب من ذلك. وفي ضوء المهارات اللغوية، يمكن القول بأنّ تعليم هذه اللغة للناطقين بلغات أخري يستهدف ما يلي :
أ – تنمية قدرة الطالب على فهم اللغة العربية عندما يستمع إليها .
ب – تنمية قدرة الطالب على النطق الصحيح للغة والتحدث مع الناطقين بالعربية حديثا معبرا في المعنى سليما في الأداء .
ج – تنمية قدرة الطالب على قراءة الكتابات العربية بدقة وسرعة وفهم .
د – تنمية قدرة الطالب على الكتابة باللغة العربية بدقة وطلاقة ووضوح وجمال .
2 – أن يتعرف الطالب خصائص اللغة العربية وما يميزها عن غيرها من اللغات أصواتاً ومفردات وتراكيب ومفاهيم.
3 – أن يتعرّف الطالب على الثقافة الإسلامية العربية وأن يلمّ بخصائص الإنسان العربي , الناطق بهذه اللغة وبالبيئة التي يعيش بـها وبالمجتمع الذي يتعامل معه.
الجهل بلسان العرب سبب من أسباب الابتداع :
معرفة العربية تحمي من الوقوعِ في الشُّبَهِ والبِدَعِ . قال الشافعي – رحِمه الله - : (ما جَهِلَ الناسُ, ولا اختلفوا إلا لتركِهِم لسانَ العربِ, وميلِهم إلى لسانِ أرسططاليس ) وقال أيضا: ( لا يَعْلَمُ من إيضاحِ جُمَلِ عِلْمِ الكتابِ أحدٌ, جَهِلَ سَعَةَ لسانِ العربِ, وكثرةَ وجوهِه, وجماعَ معانيه وتفوقَها . ومن عَلِمَها, انتَفَتْ عنه الشُّبَه, التي دخلتْ على من جَهِلَ لسانَـها) وقال السيوطي – رحِمه الله - : ( وقد وجدتُ السلفَ قبلَ الشافعي, أشاروا إلى ما أشار إليهِ من أنّ سببَ الابتداعِ الجهلُ بلسانِ العربِ). وأخرج البخاري في تاريخه الكبير عن الحسنُ البصريُّ – رحِمه الله – قال في المبتدعةِ: (أهلكتهم العجمة) .
ولهذا كانت أول بدعة ظهرت في المسلمين من قبل العجمة، قال الأوزاعي رحمة الله : "أول من نطق في القدر : رجل من أهل العراق يقال له سوسن كان نصرانياً فأسلم ثم تنصر فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد" ولهذا قال الحسن البصري : أهلكتهم العجمة .[15]
وأخرج البيهقي عن الأصمعي أنّه فال : جاء عمرو بن عبيد المعتزلي إلى أبي عمرو بن العلاء؛ يناظره في وجوب عذاب الفاسق , فقال : يا أبا عمرو ويخلف الله ما وعده؟ قال : لا , قال : أفرأيت من أوعده الله على عمل عقاباً , أيخلف الله وعده فيه ؟ فقال أبو عمرو بن العلاء: من العجمة أتيت يا أبا عثمان, الوعد غير الوعيد ثمّ أنشد :
وإنّي وإن أوعته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي.[16]
[1] الكتاب الأساسي لتعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى إعداده تحليله تقويمه د. محمود الناقة و د. رشدي طعيمة ص 40-46
[2] لغتنا والحياة للدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ص 13
[3] لغتنا والحياة للدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ص 14
[4] لغتنا والحياة للدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ص 41
[5] لغتنا والحياة للدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ص 13
[6] لغتنا والحياة للدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ص 15
[7] لغتنا والحياة للدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ص 14
[8] لغتنا والحياة للدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ص 22
[9] لغتنا والحياة للدكتورة عائشة عبد الرحمن ، ص 42
[10] السجل العلمي للندوة العالمية الأولى لتعليم العربية لغير الناطقين بها .
[11] برامج تعليم العربية للمسلمين الناطقين بلغات أخرى في ضوء دوافعهم د. محمود الناقة ص 63
[12] برامج تعليم العربية للمسلمين الناطقين بلغات أخرى في ضوء دوافعهم د. محمود الناقة ص 74
[13]الكتاب الأساسي لتعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى إعداده تحليله تقويمه د. محمود الناقة و د. رشدي طعيمة
[14] "الإعداد الثقافي لمعلّم اللغة العربية للناطقين بغيرها " ، د. خليل أحمد عمايره ندوة تطوير برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى ، الخرطوم.
[15] منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة 2/507-508 ، نقلا عن الجامع لشعب الإيمان 2 / 103-105
[16] انظر : نواقض الإيمان القولية والعملية 231
المقال السابق أهمية التراث الأدبي واللغوي ظاهرة التنغيم في اللغة العربية والإنجليزية نموذجا | المقالات المتشابهة | المقال التالي حاضر اللغة العربية |